لا افتخار إلا لمن لا يضام



لا افْتِخارٌ إلاّ لمَنْ لا يُضامُ

مُدْرِكٍ أوْ مُحارِبٍ لا يَنَامُ

لَيسَ عَزْماً مَا مَرّضَ المَرْءُ فيهِ

لَيسَ هَمّاً ما عاقَ عنهُ الظّلامُ

واحتِمالُ الأذَى ورُؤيَةُ جانِيـ

ـهِ غِذاءٌ تَضْوَى بهِ الأجسامُ

ذَلّ مَنْ يَغْبِطُ الذّليل بعَيشٍ

رُبّ عَيشٍ أخَفُّ منْهُ الحِمامُ

كُلُّ حِلْمٍ أتَى بغَيرِ اقْتِدارٍ

حُجّةٌ لاجىءٌ إلَيها اللّئَامُ

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ

ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ

ضاقَ ذَرْعاً بأنْ أضيقَ بهِ ذَرْ

عاً زَماني واستَكرَمَتْنِي الكِرامُ

واقِفاً تحتَ أخمَصَيْ قَدْرِ نَفسي

واقِفاً تحتَ أخْمَصَيّ الأنَامُ

أقَراراً ألَذُّ فَوْقَ شَرارٍ

ومَراماً أبْغي وظُلْمي يُرامُ

دونَ أنْ يَشرَقَ الحِجازُ ونَجْدٌ

والعِراقانِ بالقَنَا والشّامُ

شَرَقَ الجَوِّ بالغُبَارِ إذا سَا

رَ عَليُّ بنُ أحْمَدَ القَمْقامُ

الأديبُ المُهَذَّبُ الأصْيَدُ الضّرْ

بُ الذّكيُّ الجَعدُ السّرِيُّ الهُمامُ

والذي رَيْبُ دَهْرِهِ مِنْ أسَارَا

هُ ومِنْ حاسدي يَدَيْهِ الغَمامُ

يَتَداوَى مِنْ كَثْرَةِ المَالِ بالإقْـ

ـلالِ جُوداً كأنّ مَالاً سَقَامُ

حَسَنٌ في عُيُونِ أعْدائِهِ أقْـ

ـبَحُ من ضيْفِهِ رأتْهُ السَّوامُ

لوْ حَمَى سَيّداً منَ المَوتِ حامٍ

لَحَماهُ الإجْلالُ والإعْظامُ

وعَوارٍ لَوامِعٌ دِينُهَا الحِـ

ـلُّ ولَكِنّ زِيَّها الإحْرامُ

كُتبَتْ في صَحائِفِ المَجْدِ بِسْمٌ

ثمَّ قَيسٌ وبعدَ قَيسَ السّلامُ

إنّما مُرّةُ بنُ عَوْفِ بنِ سَعْدٍ

جَمَراتٌ لا تَشْتَهيها النَّعامُ

لَيلُها صُبْحُها مِنَ النّارِ والإصْـ

ـبَاحُ لَيْلٌ منَ الدّخانِ تِمامُ

هِمَمٌ بَلّغَتْكُمُ رُتَبَاتٍ

قَصُرَتْ عَنْ بُلُوغِها الأوْهامُ

ونُفُوسٌ إذا انْبَرَتْ لِقِتَالٍ

نَفِدَتْ قَبْلَ يَنْفَدُ الإقْدامُ

وقُلُوبٌ مُوَطَّناتٌ على الرّوْ

عِ كأنّ اقْتِحامَهَا استِسْلامُ

قائِدو كُلّ شَطْبَةٍ وحِصانٍ

قَدْ بَراها الإسْراجُ والإلجامُ

يَتَعَثّرْنَ بالرّؤوسِ كَما مَرّ

بتاءاتِ نُطْقِهِ التَّمتَامُ

طالَ غشْيانُكَ الكَريهَةَ حتى

قالَ فيكَ الذي أقُولُ الحُسَامُ

وكَفَتْكَ الصّفائِحُ النّاسَ حتى

قد كَفَتْكَ الصّفائحَ الأقْلامُ

وكَفَتْكَ التّجارِبُ الفِكْرَ حتى

قَدْ كَفاكَ التّجارِبَ الإلْهَامُ

فارِسٌ يَشتَري بِرازَكَ للفَخْـ

ـرِ بقَتْلٍ مُعَجَّلٍ لا يُلامُ

نائِلٌ منكَ نَظْرَةً ساقَهُ الفَقْـ

ـرُ عَلَيْهِ لفَقْرِهِ إنْعَامُ

خَيْرُ أعضائِنا الرّؤوسُ ولَكِنْ

فَضَلَتْها بقَصْدِكَ الأقْدامُ

قَد لَعَمري أقْصَرْتُ عَنكَ وللوَفـ

ـدِ ازْدِحامٌ وللعَطايا ازْدِحامُ

خِفْتُ إن صرْتُ في يَمينِكَ أن تأ

خُذَني في هِباتِكَ الأقوامُ

ومنَ الرُّشْدِ لم أزُرْكَ على القُرْ

بِ على البُعدِ يُعرَفُ الإلمامُ

ومِنَ الخَيرِ بُطْءُ سَيْبِكَ عني

أسرَعُ السُّحْبِ في المَسيرِ الجَهامُ

قُلْ فَكَمْ مِنْ جَواهرٍ بنِظامٍ

وُدُّها أنّها بفيكَ كَلامُ

هابَكَ اللّيْلُ والنّهارُ فَلَوْ تَنْـ

ـهاهُما لم تَجُزْ بكَ الأيّامُ

حَسْبُكَ الله ما تَضِلّ عَنِ الحَـ

ـقّ ولا يَهْتَدي إلَيكَ أثَامُ

لِمَ لا تَحْذَرُ العَواقِبَ في غَيْـ

ـرِ الدّنَايا، أمَا عَلَيْكَ حَرامُ

كَمْ حَبيبٍ لا عُذْرَ لِلّوْمِ فيهِ

لَكَ فيهِ مِنَ التُّقَى لُوّامُ

رَفَعَتْ قَدْرَكَ النّزاهَةُ عَنْهُ

وثَنَتْ قَلْبَكَ المَساعي الجِسامُ

إنّ بَعضاً مِنَ القَرِيضِ هُذاءٌ

لَيسَ شَيئاً وبَعضَهُ أحْكامُ

مِنْهُ ما يَجْلُبُ البَراعَةُ والفَضْـ

ـلُ ومِنْهُ ما يَجْلُبُ البِرْسامُ


أبو الطيب المتنبي


هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي، اشتهر باسم المتنبي، وُلِدَ في الكوفة في العراق عام 915 م، وهو من أبرز شعراء العصر العباسي
المزيد عن المتنبي