لهوى النفوس سريرة لا تعلم



لهَوَى النّفُوسِ سَرِيرَةٌ لا تُعْلَمُ

عَرَضاً نَظَرْتُ وَخِلْتُ أني أسْلَمُ

يا أُختَ مُعْتَنِقِ الفَوَارِسِ في الوَغى

لأخوكِ ثَمّ أرَقُّ منكِ وَأرْحَمُ

رَاعَتْكِ رَائِعَةُ البَياضِ بمَفْرِقي

وَلَوَ انّهَا الأولى لَرَاعَ الأسْحَمُ

لَوْ كانَ يُمكِنُني سفَرْتُ عن الصّبى

فالشّيبُ مِنْ قَبلِ الأوَانِ تَلَثُّمُ

وَلَقَدْ رَأيتُ الحادِثاتِ فَلا أرَى

يَقَقاً يُمِيتُ وَلا سَوَاداً يَعصِمُ

وَالهَمُّ يَخْتَرِمُ الجَسيمَ نَحَافَةً

وَيُشيبُ نَاصِيَةَ الصّبيّ وَيُهرِمُ

ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ

وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ

وَالنّاسُ قَد نَبَذوا الحِفاظَ فمُطلَقٌ

يَنسَى الذي يُولى وَعَافٍ يَنْدَمُ

لا يَخْدَعَنّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ

وَارْحَمْ شَبابَكَ من عَدُوٍّ تَرْحَمُ

لا يَسلَمُ الشّرَفُ الرّفيعُ منَ الأذى

حتى يُرَاقَ عَلى جَوَانِبِهِ الدّمُ

يُؤذي القَليلُ مِنَ اللّئَامِ بطَبْعِهِ

مَنْ لا يَقِلّ كَمَا يَقِلّ وَيَلْؤمُ

وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ

ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ

وَمن البَليّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي

عَن جَهِلِهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ

وَجُفُونُهُ مَا تَسْتَقِرّ كَأنّهَا

مَطْرُوفَةٌ أوْ فُتّ فيها حِصرِمُ

وَإذا أشَارَ مُحَدّثاً فَكَأنّهُ

قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أوْ عَجوزٌ تَلْطِمُ

يَقْلَى مُفَارَقَةَ الأكُفّ قَذالُهُ

حتى يَكَادَ عَلى يَدٍ يَتَعَمّمُ

وَتَراهُ أصغَرَ مَا تَرَاهُ نَاطِقاً

وَيكونُ أكذَبَ ما يكونُ وَيُقْسِمُ

وَالذّلّ يُظْهِرُ في الذّليلِ مَوَدّةً

وَأوَدُّ مِنْهُ لِمَنْ يَوَدّ الأرْقَمُ

وَمِنَ العَداوَةِ ما يَنَالُكَ نَفْعُهُ

وَمِنَ الصّداقَةِ ما يَضُرّ وَيُؤلِمُ

أرْسَلْتَ تَسألُني المَديحَ سَفَاهَةً

صَفْرَاءُ أضْيَقُ منكَ ماذا أزْعَمُ

فلَشَدّ ما جاوَزْتَ قَدرَكَ صَاعِداً

وَلَشَدّ ما قَرُبَتْ عَلَيكَ الأنجُمُ

وَأرَغْتَ ما لأبي العَشَائِرِ خالِصاً

إنّ الثّنَاءَ لِمَنْ يُزَارُ فيُنْعِمُ

وَلمَنْ أقَمْتَ على الهَوَانِ بِبَابِهِ

تَدْنُو فيُوجأُ أخْدَعاكَ وَتُنْهَمُ

وَلمَنْ يُهِينُ المَالَ وَهْوَ مُكَرَّمٌ

وَلمَنْ يَجُرّ الجَيشَ وَهْوَ عَرَمْرَمُ

وَلمَنْ إذا التَقَتِ الكُماةُ بمَأزِقٍ

فَنَصِيبُهُ مِنْهَا الكَميُّ المُعْلِمُ

وَلَرُبّمَا أطَرَ القَنَاةَ بفَارِسٍ

وَثَنى فَقَوّمَهَا بِآخَرَ مِنْهُمُ

وَالوَجْهُ أزْهَرُ وَالفُؤادُ مُشَيَّعٌ

وَالرّمْحُ أسمَرُ وَالحُسامُ مُصَمِّمُ

أفْعَالُ مَن تَلِدُ الكِرامُ كَريمَةٌ

وَفَعَالُ مَنْ تَلِدُ الأعَاجِمُ أعجمُ


أبو الطيب المتنبي


هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي، اشتهر باسم المتنبي، وُلِدَ في الكوفة في العراق عام 915 م، وهو من أبرز شعراء العصر العباسي
المزيد عن المتنبي