ضيف ألم برأسي غير محتشم



ضَيْفٌ ألَمّ برَأسِي غيرَ مُحْتَشِمِ

ألسّيفُ أحْسَنُ فِعْلاً منهُ باللِّمَمِ

إبْعَدْ بَعِدْتَ بَياضاً لا بَياضَ لَهُ

لأنْتَ أسْوَدُ في عَيني مِنَ الظُّلَمِ

بحُبّ قاتِلَتي وَالشّيْبِ تَغْذِيَتي

هَوَايَ طِفْلاً وَشَيبي بالغَ الحُلُمِ

فَمَا أمُرّ برَسْمٍ لا أُسَائِلُهُ

وَلا بذاتِ خِمارٍ لا تُريقُ دَمي

تَنَفّسَتْ عَن وَفاءٍ غيرِ مُنصَدِعٍ

يَوْمَ الرّحيلِ وشَعْبٍ غَيرِ مُلْتَئِمِ

قَبّلْتُها وَدُمُوعي مَزْجُ أدْمُعِهَا

وَقَبّلَتْني على خَوْفٍ فَماً لفَمِ

قد ذُقْتُ ماءَ حَياةٍ مِنْ مُقَبَّلِها

لَوْ صَابَ تُرْباً لأحيا سالِفَ الأُمَمِ

تَرنو إليّ بعَينِ الظّبيِ مُجْهِشَةً

وتَمْسَحُ الطّلَّ فَوْقَ الوَرْدِ بِالعَنَمِ

رُوَيْدَ حُكمِكِ فينا غيرَ مُنصِفَةٍ

بالنّاسِ كُلِّهِمِ أفديكِ من حكَمِ

أبدَيتِ مثلَ الذي أبدَيتُ من جَزعٍ

وَلَمْ تُجِنّي الذي أجنَيتُ من ألَمِ

إذاً لَبَزَّكِ ثَوْبَ الحُسنِ أصغَرُهُ

وَصِرْتِ مثليَ في ثَوْبَينِ من سَقَمِ

لَيسَ التّعَلّلُ بالآمَالِ مِن أرَبي

وَلا القَناعَةُ بالإقْلالِ من شِيَمي

وَلا أظُنّ بَناتِ الدّهْرِ تَتْرُكُني

حتى تَسُدّ علَيها طُرْقَها هِمَمي

لُمِ اللّيالي التي أخْنَتْ على جِدَتي

بِرِقّةِ الحالِ وَاعذِرْني وَلا تَلُمِ

أرَى أُناساً ومَحصُولي على غَنَمٍ

وَذِكْرَ جُودٍ ومحْصُولي على الكَلِمِ

وَرَبَّ مالٍ فَقِيراً مِنْ مُرُوءَتِهِ

لم يُثْرِ منها كما أثْرَى منَ العُدُمِ

سيَصحَبُ النّصلُ مني مثلَ مَضرِبِه

وَيَنجَلي خَبري عن صِمّةِ الصَّمَمِ

لقد تَصَبّرْتُ حتى لاتَ مُصْطَبَرٍ

فالآنَ أقْحَمُ حتى لاتَ مُقْتَحَمِ

لأترُكَنّ وُجوهَ الخَيْلِ ساهِمَةً

وَالحرْبُ أقوَمُ مِن ساقٍ على قَدَمِ

والطّعْنُ يُحرِقُها وَالزّجرُ يُقلِقُها

حتى كأنّ بها ضَرْباً مِنَ اللَّمَمِ

قَد كَلّمَتْها العَوالي فَهْيَ كالحَةٌ

كأنّما الصّابُ مَذرُورٌ على اللُّجُمِ

بكُلّ مُنصَلَتٍ ما زالَ مُنْتَظري

حتى أدَلْتُ لَهُ مِنْ دَولَةِ الخَدمِ

شَيخٌ يَرَى الصّلواتِ الخَمسَ نافلةً

ويَستَحِلّ دَمَ الحُجّاجِ في الحرَمِ

وكُلّما نُطِحَتْ تحْتَ العَجاجِ بهِ

أُسْدُ الكتائبِ رامَتْهُ ولم يَرِمِ

تُنسِي البِلادَ بُرُوقَ الجَوّ بارِقَتي

وتَكتَفي بالدّمِ الجاري عَنِ الدِّيَمِ

رِدِي حِياضَ الرّدى يا نفسِ وَاتّركي

حياضَ خوْفِ الرّدى للشّاء والنَّعَمِ

إنْ لم أذَرْكِ على الأرماحِ سائِلَةً

فلا دُعيتُ ابنَ أُمّ المَجدِ والكَرَمِ

أيَمْلِكُ المُلْكَ وَالأسيافُ ظامئَةٌ

وَالطّيرُ جائِعَةٌ لَحْمٌ على وَضَمِ

مَنْ لَوْ رَآنيَ ماءً ماتَ مِنْ ظَمَإٍ

وَلَوْ عَرَضْتُ لهُ في النّوْم لم يَنمِ

ميعادُ كلّ رَقيقِ الشّفرَتينِ غَداً

ومَن عصَى من ملوكِ العُرْبِ والعجمِ

فإنْ أجابُوا فَما قَصدي بهَا لَهُمُ

وَإنْ تَوَلّوْا فَمَا أرْضَى لَها بهمِ


أبو الطيب المتنبي


هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي، اشتهر باسم المتنبي، وُلِدَ في الكوفة في العراق عام 915 م، وهو من أبرز شعراء العصر العباسي
المزيد عن المتنبي