حَتّامَ نحنُ نُساري النّجمَ في الظُّلَمِ
ومَا سُرَاهُ على خُفٍّ وَلا قَدَمِ
|
وَلا يُحِسّ بأجْفانٍ يُحِسّ بهَا
فقْدَ الرّقادِ غَريبٌ باتَ لم يَنَمِ
|
تُسَوِّدُ الشّمسُ منّا بيضَ أوْجُهِنَا
ولا تُسَوِّدُ بِيضَ العُذرِ وَاللِّمَمِ
|
وَكانَ حالهُمَا في الحُكْمِ وَاحِدَةً
لوِ احتَكَمْنَا منَ الدّنْيا إلى حكَمِ
|
وَنَترُكُ المَاءَ لا يَنْفَكّ من سَفَرٍ
ما سارَ في الغَيمِ منهُ سارَ في الأدَمِ
|
لا أُبْغِضُ العِيسَ لكِني وَقَيْتُ بهَا
قلبي من الحزْنِ أوْ جسمي من السّقمِ
|
طَرَدتُ من مصرَ أيديهَا بأرْجُلِهَا
حتى مَرَقْنَ بهَا من جَوْشَ وَالعَلَمِ
|
تَبرِي لَهُنّ نَعَامُ الدّوّ مُسْرَجَةً
تعارِضُ الجُدُلَ المُرْخاةَ باللُّجُمِ
|
في غِلْمَةٍ أخطَرُوا أرْوَاحَهُم وَرَضُوا
بمَا لَقِينَ رِضَى الأيسارِ بالزَّلَمِ
|
تَبدو لَنَا كُلّمَا ألْقَوْا عَمَائِمَهمْ
عَمَائِمٌ خُلِقَتْ سُوداً بلا لُثُمِ
|
بِيضُ العَوَارِضِ طَعّانُونَ من لحقوا
مِنَ الفَوَارِسِ شَلاّلُونَ للنَّعَمِ
|
قد بَلَغُوا بقَنَاهُمْ فَوْقَ طاقَتِهِ
وَلَيسَ يَبلُغُ ما فيهِمْ منَ الهِمَمِ
|
في الجاهِلِيّةِ إلاّ أنّ أنْفُسَهُمْ
من طيبِهِنّ به في الأشْهُرِ الحُرُمِ
|
نَاشُوا الرّماحَ وَكانتْ غيرَ ناطِقَةٍ
فَعَلّمُوها صِياحَ الطّيرِ في البُهَمِ
|
تَخدي الرّكابُ بنَا بِيضاً مَشافِرُهَا
خُضراً فَرَاسِنُهَا في الرُّغلِ وَاليَنمِ
|
مَكْعُومَةً بسِياطِ القَوْمِ نَضْرِبُها
عن منبِتِ العشبِ نبغي منبتَ الكرَمِ
|
وَأينَ مَنْبِتُهُ مِنْ بَعدِ مَنْبِتِهِ
أبي شُجاعٍ قريعِ العُرْبِ وَالعَجَمِ
|
لا فَاتِكٌ آخَرٌ في مِصرَ نَقْصِدُهُ
وَلا لَهُ خَلَفٌ في النّاسِ كُلّهِمِ
|
مَنْ لا تُشابِهُهَ الأحيْاءُ في شِيَمٍ
أمسَى تُشابِهُهُ الأمواتُ في الرِّمَمِ
|
عَدِمْتُهُ وَكَأنّي سِرْتُ أطْلُبُهُ
فَمَا تَزِيدُني الدّنيا على العَدَمِ
|
ما زِلْتُ أُضْحِكُ إبْلي كُلّمَا نظرَتْ
إلى مَنِ اختَضَبَتْ أخفافُها بدَمِ
|
أُسيرُهَا بَينَ أصْنامٍ أُشَاهِدُهَا
وَلا أُشَاهِدُ فيها عِفّةَ الصّنَمِ
|
حتى رَجَعْتُ وَأقْلامي قَوَائِلُ لي
ألمَجْدُ للسّيفِ لَيسَ المَجدُ للقَلَمِ
|
أُكْتُبْ بِنَا أبَداً بَعدَ الكِتابِ بِهِ
فإنّمَا نحنُ للأسْيَافِ كالخَدَمِ
|
أسْمَعْتِني وَدَوَائي ما أشَرْتِ بِهِ
فإنْ غَفَلْتُ فَدائي قِلّةُ الفَهَمِ
|
مَنِ اقتَضَى بسِوَى الهِنديّ حاجَتَهُ
أجابَ كلَّ سُؤالٍ عَن هَلٍ بلَمِ
|
تَوَهّمَ القَوْمُ أنّ العَجزَ قَرّبَنَا
وَفي التّقَرّبِ ما يَدْعُو إلى التُّهَمِ
|
وَلمْ تَزَلْ قِلّةُ الإنصَافِ قاطِعَةً
بَين الرّجالِ وَلَوْ كانوا ذوي رَحِمِ
|
فَلا زِيارَةَ إلاّ أنْ تَزُورَهُمُ
أيدٍ نَشَأنَ مَعَ المَصْقُولَةِ الخُذُمِ
|
من كُلّ قاضِيَةٍ بالمَوْتِ شَفْرَتُهُ
مَا بَينَ مُنْتَقَمٍ مِنْهُ وَمُنْتَقِمِ
|
صُنّا قَوَائِمَهَا عَنهُمْ فَما وَقَعَتْ
مَوَاقِعَ اللّؤمِ في الأيْدي وَلا الكَزَمِ
|
هَوّنْ عَلى بَصَرٍ ما شَقّ مَنظَرُهُ
فإنّمَا يَقَظَاتُ العَينِ كالحُلُمِ
|
وَلا تَشَكَّ إلى خَلْقٍ فَتُشْمِتَهُ
شكوَى الجريحِ إلى الغِرْبانِ وَالرَّخَمِ
|
وَكُنْ عَلى حَذَرٍ للنّاسِ تَسْتُرُهُ
وَلا يَغُرَّكَ مِنهُمْ ثَغْرُ مُبتَسِمِ
|
غَاضَ الوَفَاءُ فَما تَلقاهُ في عِدَةٍ
وَأعوَزَ الصّدْقُ في الإخْبارِ وَالقَسَمِ
|
سُبحانَ خالِقِ نَفسي كيفَ لذّتُها
فيما النّفُوسُ تَراهُ غايَةَ الألَمِ
|
ألدّهْرُ يَعْجَبُ من حَمْلي نَوَائِبَهُ
وَصَبرِ نَفْسِي على أحْداثِهِ الحُطُمِ
|
وَقْتٌ يَضيعُ وَعُمرٌ لَيتَ مُدّتَهُ
في غَيرِ أُمّتِهِ مِنْ سالِفِ الأُمَمِ
|
أتَى الزّمَانَ بَنُوهُ في شَبيبَتِهِ
فَسَرّهُمْ وَأتَينَاهُ عَلى الهَرَمِ
|