أيدري ما أرابك من يريب



أيَدْري ما أرابَكَ مَنْ يُريبُ

وَهل تَرْقَى إلى الفَلَكِ الخطوبُ

وَجِسمُكَ فَوْقَ هِمّةِ كلّ داءٍ

فَقُرْبُ أقَلّها منهُ عَجيبُ

يُجَمّشُكَ الزّمانُ هَوًى وحُبّاً

وَقد يُؤذَى منَ المِقَةِ الحَبيبُ

وَكَيفَ تُعِلُّكَ الدّنْيا بشَيْءٍ

وَأنْتَ لِعِلّةِ الدّنْيَا طَبيبُ

وَكَيفَ تَنُوبُكَ الشّكْوَى بداءٍ

وَأنْتَ المُسْتَغاثُ لِمَا يَنُوبُ

مَلِلْتَ مُقامَ يَوْمٍ لَيْسَ فيهِ

طِعانٌ صادِقٌ وَدَمٌ صَبيبُ

وَأنْتَ المَرْءُ تُمْرِضُهُ الحَشَايَا

لهِمّتِهِ وَتَشْفِيهِ الحُرُوبُ

وَما بِكَ غَيرُ حُبّكَ أنْ تَرَاهَا

وَعِثْيَرُهَا لأِرْجُلِهَا جَنيبُ

مُجَلَّحَةً لهَا أرْضُ الأعادي

وَللسُّمْرِ المَنَاحِرُ وَالجُنُوبُ

فَقَرِّطْهَا الأعِنّةَ رَاجِعَاتٍ

فإنّ بَعيدَ ما طَلَبَتْ قَرِيبُ

إذا داءٌ هَفَا بُقْراطُ عَنْهُ

فَلَمْ يُعْرَفْ لصاحِبِهِ ضَرِيبُ

بسَيْفِ الدّوْلَةِ الوُضّاءِ تُمْسِي

جُفُوني تحتَ شَمسٍ ما تَغيبُ

فأغْزُو مَنْ غَزَا وبِهِ اقْتِداري

وَأرْمي مَنْ رَمَى وَبهِ أُصيبُ

وَللحُسّادِ عُذْرٌ أنْ يَشِحّوا

على نَظَرِي إلَيْهِ وَأنْ يَذوبُوا

فإنّي قَدْ وَصَلْتُ إلى مَكَانٍ

عَلَيْهِ تحسُدُ الحَدَقَ القُلُوبُ


أبو الطيب المتنبي


هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي، اشتهر باسم المتنبي، وُلِدَ في الكوفة في العراق عام 915 م، وهو من أبرز شعراء العصر العباسي
المزيد عن المتنبي