أوه بديل من قولتي واها



أوْهِ بَدِيلٌ مِنْ قَوْلَتي وَاهَا

لمَنْ نَأتْ وَالبَديلُ ذِكْراهَا

أوْهِ لِمَنْ لا أرَى مَحَاسِنَها

وَأصْلُ وَاهاً وَأوْهِ مَرْآهَا

شَامِيّةٌ طَالَمَا خَلَوْتُ بهَا

تُبْصِرُ في ناظِري مُحَيّاهَا

فَقَبّلَتْ نَاظِري تُغالِطُني

وَإنّمَا قَبّلَتْ بهِ فَاهَا

فَلَيْتَهَا لا تَزَالُ آوِيَةً وَلَيْتَهُ

لا يَزَالُ مَأوَاهَا

كُلُّ جَرِيحٍ تُرْجَى سَلامَتُهُ

إلاّ فُؤاداً رَمَتْهُ عَيْنَاهَا

تَبُلُّ خَدّيّ كُلّمَا ابتَسَمَتْ

مِنْ مَطَرٍ بَرْقُهُ ثَنَايَاهَا

مَا نَفَضَتْ في يدي غَدائِرُهَا

جَعَلْتُهُ في المُدامِ أفْوَاهَا

في بَلَدٍ تُضْرَبُ الحِجالُ بهِ

عَلى حِسَانٍ وَلَسْنَ أشْبَاهَا

لَقِينَنَا وَالحُمُولُ سَائِرَةٌ

وَهُنّ دُرٌّ فَذُبنَ أمْوَاهَا

كُلُّ مَهَاةٍ كأنّ مُقْلَتَهَا

تَقُولُ إيّاكُمُ وَإيّاهَا

فيهِنّ مَنْ تَقْطُرُ السّيُوفُ دَماً

إذا لِسَانُ المُحِبّ سَمّاهَا

أُحِبّ حِمْصاً إلى خُناصِرَةٍ

وَكُلُّ نَفْسٍ تُحبّ مَحْيَاهَا

حَيثُ التَقَى خَدُّها وَتُفّاحُ لُبْـ

ـنَانَ وَثَغْري عَلى حُمَيّاهَا

وَصِفْتُ فِيها مَصِيفَ بَادِيَةٍ

شَتَوْتُ بالصّحصَحانِ مَشتاهَا

إنْ أعشَبَتْ رَوْضَةٌ رَعَيْنَاهَا

أوْ ذُكِرَتْ حِلّةٌ غَزَوْنَاهَا

أوْ عَرَضَتْ عَانَةٌ مُقَزَّعَةٌ

صِدْنَا بأُخْرَى الجِيادِ أُولاهَا

أوْ عَبَرَتْ هَجْمَةٌ بنا تُرِكَتْ

تَكُوسُ بَينَ الشُّرُوبِ عَقرَاهَا

وَالخَيْلُ مَطْرُودَةٌ وَطارِدَةٌ

تَجُرّ طُولى القَنَا وَقُصْرَاهَا

يُعْجِبُهَا قَتْلُهَا الكُماةَ وَلا

يُنظِرُهَا الدّهْرُ بعدَ قَتْلاهَا

وَقَدْ رَأيْتُ المُلُوكَ قاطِبَةً

وَسِرْتُ حتى رَأيْتُ مَوْلاهَا

وَمَنْ مَنَايَاهُمْ بِرَاحَتِهِ

يأمُرُهَا فيهِمِ وَيَنْهَاهَا

أبَا شُجاعٍ بِفارِسٍ عَضُدَ الدّوْ

لَةِ فَنّاخُسْرُواً شَهَنْشَاهَا

أسَامِياً لم تَزِدْهُ مَعْرِفَةً

وَإنّمَا لَذّةً ذَكَرْنَاهَا

تَقُودُ مُسْتَحْسَنَ الكَلامِ لَنَا

كما تَقُودُ السّحابَ عُظْمَاهَا

هُوَ النّفِيسُ الذي مَوَاهِبُهُ

أنْفَسُ أمْوَالِهِ وَأسْنَاهَا

لَوْ فَطِنَتْ خَيْلُهُ لِنَائِلِهِ

لم يُرْضِهَا أنْ تَرَاهُ يَرْضَاهَا

لا تَجِدُ الخَمْرُ في مَكارِمِهِ

إذا انْتَشَى خَلّةً تَلافَاهَا

تُصَاحِبُ الرّاحُ أرْيَحِيّتَهُ

فَتَسْقُطُ الرّاحُ دونَ أدْنَاهَا

تَسُرُّ طَرْبَاتُهُ كَرَائِنَهُ

ثمّ تُزِيلُ السّرُورَ عُقْبَاهَا

بكُلّ مَوْهُوبَةٍ مُوَلْوِلَةٍ

قَاطِعَةٍ زِيرَهَا وَمَثْنَاهَا

تَعُومُ عَوْمَ القَذاةِ في زَبَدٍ

مِن جُودِ كَفّ الأميرِ يَغشَاهَا

تُشْرِقُ تِيجَانُهُ بِغُرّتِهِ

إشْرَاقَ ألْفاظِهِ بمَعْنَاهَا

دانَ لَهُ شَرْقُهَا وَمَغْرِبُهَا

وَنَفْسُهُ تَسْتَقِلّ دُنْيَاهَا

تَجَمّعَتْ في فُؤادِهِ هِمَمٌ

مِلْءُ فُؤادِ الزّمَانِ إحْداهَا

فإنْ أتَى حَظُّهَا بأزْمِنَةٍ

أوْسَعَ مِنْ ذا الزّمانِ أبْداهَا

وَصَارَتِ الفَيْلَقَانِ وَاحِدَةً

تَعْثُرُ أحْيَاؤهَا بمَوْتَاهَا

وَدارَتِ النّيّرَاتُ في فَلَكٍ

تَسْجُدُ أقْمَارُهَا لأبْهَاهَا

ألفَارِسُ المُتّقَى السّلاحُ بِهِ الـ

ـمُثْني عَلَيْهِ الوَغَى وَخَيْلاهَا

لَوْ أنْكَرَتْ منْ حَيَائِهَا يَدُهُ

في الحَرْبِ آثَارَهَا عَرَفْنَاهَا

وَكَيفَ تَخْفَى التي زِيادَتُهَا

وَنَاقِعُ المَوْتِ بَعضُ سِيمَاها

ألوَاسعُ العُذْرِ أنْ يَتِيهَ على الـ

ـدّنْيَا وَأبْنَائِهَا وَمَا تَاهَا

لَوْ كَفَرَ العالَمُونَ نِعْمَتَهُ

لمَا عَدَتْ نَفْسُهُ سَجَايَاهَا

كالشَمسِ لا تَبتَغي بما صَنَعَتْ

مَعْرِفَةً عِنْدَهُمْ وَلا جَاهَا

وَلِّ السّلاطِينَ مَنْ تَوَلاّهَا

وَالجَأْ إلَيْهِ تَكُنْ حُدَيّاهَا

وَلا تَغُرّنّكَ الإمَارَةُ في

غَيرِ أمِيرٍ وَإنْ بهَا بَاهَى

فإنّمَا المَلْكُ رَبّ مَمْلَكَةٍ

قَدْ أفْعَمَ الخافِقَينِ رَيّاهَا

مُبْتَسِمٌ وَالوُجُوهُ عَابِسَةٌ

سِلْمُ العِدى عِندَهُ كَهَيْجاهَا

ألنّاسُ كالعَابِدِينَ آلِهَةً

وَعَبْدُهُ كالمُوَحِّدِ اللّهَ


أبو الطيب المتنبي


هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي، اشتهر باسم المتنبي، وُلِدَ في الكوفة في العراق عام 915 م، وهو من أبرز شعراء العصر العباسي
المزيد عن المتنبي