ذي المعالي فليعلون من تعالى



ذي المَعَالي فلْيَعْلُوَنْ مَن تَعَالى

هَكَذا هَكَذا وَإلاّ فَلا لا

شَرَفٌ يَنْطِحُ النّجومَ برَوْقَيْـ

ـهِ وَعِزٌّ يُقَلْقِلُ الأجْبَالا

حَالُ أعْدائِنَا عَظيمٌ وَسَيْفُ الـ

ـدّوْلَةِ ابنُ السّيوفِ أعظَمُ حالا

كُلّما أعْجَلُوا النّذيرَ مَسيراً

أعجَلَتْهُمْ جِيادُهُ الإعجَالا

فأتَتْهُمْ خَوَارِقَ الأرْضِ ما تحـ

ـمِلُ إلاّ الحَديدَ وَالأبْطالا

خَافِياتِ الألْوانِ قَدْ نَسَجَ النّقـ

ـعُ عَلَيْهَا بَرَاقِعاً وَجِلالا

حَالَفَتْهُ صُدُورُهَا وَالعَوَالي

لَتَخُوضَنّ دُونَهُ الأهْوَالا

وَلَتَمْضِنّ حَيثُ لا يَجِدُ الرّمـ

ـحُ مَداراً وَلا الحصانُ مَجَالا

لا ألُومُ ابنَ لاوُنٍ مَلِكَ الرّو

م وَإنْ كانَ ما تَمَنّى مُحَالاَ

أقْلَقَتْهُ بَنِيّةٌ بَينَ أُذْنَيْـ

ـهِ وَبَانٍ بَغَى السّماءَ فَنَالا

كُلّما رَامَ حَطّها اتّسَعَ البَنْـ

ـيُ فَغَطّى جَبينَهُ وَالقَذالا

يَجْمَعُ الرّومَ وَالصَّقالِبَ وَالبُلْـ

ـغَارَ فيهَا وَتَجْمَعُ الآجَالا

وَتُوافيهِمِ بها في القَنَا السُّمْـ

ـرِ كمَا وَافَتِ العِطاشُ الصِّلالا

قَصَدوا هَدْمَ سُورِهَا فَبَنَوْهُ

وَأتَوْا كَيْ يُقَصّرُوهُ فَطَالا

وَاستَجَرّوا مكايِدَ الحَرْبِ حتى

تَرَكُوها لهَا عَلَيْهِمْ وَبَالا

رُبّ أمْرٍ أتَاكَ لا تَحْمَدُ الفَعّـ

ـالَ فيهِ وَتَحْمَدُ الأفْعَالا

وَقِسِيٍّ رُمِيتَ عَنها فَرَدّتْ

في قُلُوبِ الرّماةِ عَنكَ النّصَالا

أخذوا الطُّرْقَ يَقطَعُونَ بها الرّسْـ

ـلَ فَكانَ انقِطاعُهَا إرْسَالا

وَهُمُ البَحْرُ ذو الغَوَارِبِ إلاّ

أنّهُ صَارَ عندَ بحرِكَ آلا

مَا مَضَوْا لم يُقاتِلُوكَ وَلَكِـ

ـنّ القِتالَ الذي كَفاكَ القِتَالا

وَالذي قَطّعَ الرّقابَ مِنَ الضّرْ

بِ بكَفّيْكَ قَطّعَ الآمَالا

وَالثّباتُ الذي أجادوا قَديماً

عَلّمَ الثّابِتِينَ ذا الإجْفَالا

نَزَلُوا في مَصَارِعٍ عَرَفُوهَا

(يَنْدُبُونَ الأعْمَامَ وَالأخْوَالا

تَحْمِلُ الرّيحُ بَيْنَهُمْ شَعَرَ الهَا

مِ وَتَذْرِي عَلَيهِمِ الأوْصَالا

تُنْذِرُ الجِسْمَ أنْ يَقُومَ لَدَيها

فتُريهِ لِكُلّ عُضْوٍ مِثَالا

أبْصَرُوا الطّعنَ في القلوبِ دِراكاً

قَبلَ أنْ يُبصِرُوا الرّماحَ خَيَالا

وَإذا حاوَلَتْ طِعانَكَ خَيْلٌ

أبْصَرتْ أذْرُعَ القَنَا أمْيَالا

بَسَطَ الرّعبُ في اليَمينِ يَميناً

فَتَوَلّوْا وَفي الشّمالِ شِمَالا

يَنفُضُ الرّوْعُ أيدياً ليسَ تدري

أسُيُوفاً حَمَلْنَ أمْ أغْلالا

وَوُجوهاً أخافَها مِنكَ وَجْهٌ

تَرَكَتْ حُسْنَهَا لَهُ وَالجَمَالا

وَالعِيانُ الجَليُّ يُحْدِثُ للظّـ

ـنّ زَوالاً وَللمُرادِ انْتِقالا

وَإذا ما خَلا الجَبَانُ بأرْضٍ

طَلَبَ الطّعْنَ وَحدَهُ وَالنّزَالا

أقْسَمُوا لا رَأوْكَ إلاّ بقَلْبٍ

طَالَما غَرّتِ العُيُونُ الرّجَالا

أيُّ عَيْنٍ تَأمّلَتْكَ فَلاقَتْـ

ـكَ وَطَرْفٍ رَنَا إلَيْكَ فَآلا

مَا يَشُكُّ اللّعِينُ في أخْذِكَ الجَيـ

ـشَ فَهَلْ يَبعَثُ الجُيوشَ نَوَالا

مَا لمَنْ يَنصِبُ الحَبَائِلَ في الأرْ

ضِ وَمَرْجاهُ أن يَصِيدَ الهِلالا

إنّ دونَ التي على الدّرْبِ وَالأحْـ

ـدَبِ وَالنّهْرِ مِخلَطاً مِزْيَالا

غَصَبَ الدّهْرَ وَالمُلُوكَ عَلَيْها

فَبَناهَا في وَجنَةِ الأرْضِ خَالا

فهيَ تمشي مَشْيَ العَرُوسِ اختِيالاً

وَتَثَنّى عَلى الزّمَانِ دَلالا

وَحَمَاهَا بكُلّ مُطّرِدِ الأكْـ

ـعُبِ جَوْرَ الزّمَانِ وَالأوْجَالا

وَظُبىً تَعْرِفُ الحَرامَ مِنَ الحِـ

ـلّ فَقَدْ أفنَتِ الدّمَاءَ حَلالا

في خَميسٍ مِنَ الأُسودِ بَئيسٍ

يَفْتَرِسْنَ النّفُوسَ وَالأمْوَالا

إنّمَا أنْفُسُ الأنِيسِ سِبَاعٌ

يَتَفَارَسْنَ جَهْرَةً وَاغْتِيالا

مَنْ أطاقَ التِماسَ شيءٍ غِلاباً

وَاغْتِصاباً لم يَلْتَمِسْهُ سُؤالا

كُلُّ غادٍ لحَاجَةٍ يَتَمَنّى

أنْ يكونَ الغَضَنْفَرَ الرّئْبَالا


أبو الطيب المتنبي


هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي، اشتهر باسم المتنبي، وُلِدَ في الكوفة في العراق عام 915 م، وهو من أبرز شعراء العصر العباسي
المزيد عن المتنبي