كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا
وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا
|
تَمَنّيْتَهَا لمّا تَمَنّيْتَ أنْ تَرَى
صَديقاً فأعْيَا أوْ عَدُواً مُداجِيَا
|
إذا كنتَ تَرْضَى أنْ تَعيشَ بذِلّةٍ
فَلا تَسْتَعِدّنّ الحُسامَ اليَمَانِيَا
|
وَلا تَستَطيلَنّ الرّماحَ لِغَارَةٍ
وَلا تَستَجيدَنّ العِتاقَ المَذاكِيَا
|
فما يَنفَعُ الأُسْدَ الحَياءُ من الطَّوَى
وَلا تُتّقَى حتى تكونَ ضَوَارِيَا
|
حَبَبْتُكَ قَلْبي قَبلَ حُبّكَ من نأى
وَقد كانَ غَدّاراً فكُنْ أنتَ وَافِيَا
|
وَأعْلَمُ أنّ البَينَ يُشكيكَ بَعْدَهُ
فَلَسْتَ فُؤادي إنْ رَأيْتُكَ شَاكِيَا
|
فإنّ دُمُوعَ العَينِ غُدْرٌ بِرَبّهَا
إذا كُنّ إثْرَ الغَادِرِين جَوَارِيَا
|
إذا الجُودُ لم يُرْزَقْ خَلاصاً من الأذَى
فَلا الحَمدُ مكسوباً وَلا المالُ باقِيَا
|
وَللنّفْسِ أخْلاقٌ تَدُلّ على الفَتى
أكانَ سَخاءً ما أتَى أمْ تَسَاخِيَا
|
أقِلَّ اشتِياقاً أيّهَا القَلْبُ رُبّمَا
رَأيْتُكَ تُصْفي الوُدّ من ليسَ صافيَا
|
خُلِقْتُ ألُوفاً لَوْ رَجعتُ إلى الصّبَى
لَفارَقتُ شَيبي مُوجَعَ القلبِ باكِيَا
|
وَلَكِنّ بالفُسْطاطِ بَحْراً أزَرْتُهُ
حَيَاتي وَنُصْحي وَالهَوَى وَالقَوَافِيَا
|
وَجُرْداً مَدَدْنَا بَينَ آذانِهَا القَنَا
فَبِتْنَ خِفَافاً يَتّبِعْنَ العَوَالِيَا
|
تَمَاشَى بأيْدٍ كُلّمَا وَافَتِ الصَّفَا
نَقَشْنَ بهِ صَدرَ البُزَاةِ حَوَافِيَا
|
وَتَنظُرُ من سُودٍ صَوَادِقَ في الدجى
يَرَينَ بَعيداتِ الشّخُوصِ كما هِيَا
|
وَتَنْصِبُ للجَرْسِ الخَفِيِّ سَوَامِعاً
يَخَلْنَ مُنَاجَاةَ الضّمِير تَنَادِيَا
|
تُجاذِبُ فُرْسانَ الصّباحِ أعِنّةً
كأنّ على الأعناقِ منْهَا أفَاعِيَا
|
بعَزْمٍ يَسيرُ الجِسْمُ في السرْجِ راكباً
بهِ وَيَسيرُ القَلبُ في الجسْمِ ماشِيَا
|
قَوَاصِدَ كَافُورٍ تَوَارِكَ غَيرِهِ
وَمَنْ قَصَدَ البَحرَ استَقَلّ السّوَاقِيا
|
فَجاءَتْ بِنَا إنْسانَ عَينِ زَمانِهِ
وَخَلّتْ بَيَاضاً خَلْفَهَا وَمَآقِيَا
|
تجُوزُ عَلَيهَا المُحْسِنِينَ إلى الّذي
نَرَى عِندَهُمْ إحسانَهُ وَالأيادِيَا
|
فَتىً ما سَرَيْنَا في ظُهُورِ جُدودِنَا
إلى عَصْرِهِ إلاّ نُرَجّي التّلاقِيَا
|
تَرَفّعَ عَنْ عُونِ المَكَارِمِ قَدْرُهُ
فَمَا يَفعَلُ الفَعْلاتِ إلاّ عَذارِيَا
|
يُبِيدُ عَدَاوَاتِ البُغَاةِ بلُطْفِهِ
فإنْ لم تَبِدْ منهُمْ أبَادَ الأعَادِيَا
|
أبا المِسكِ ذا الوَجْهُ الذي كنتُ تائِقاً
إلَيْهِ وَذا اليَوْمُ الذي كنتُ رَاجِيَا
|
لَقِيتُ المَرَوْرَى وَالشّنَاخيبَ دُونَهُ
وَجُبْتُ هَجيراً يَترُكُ المَاءَ صَادِيَا
|
أبَا كُلّ طِيبٍ لا أبَا المِسْكِ وَحدَه
وَكلَّ سَحابٍ لا أخُصّ الغَوَادِيَا
|
يُدِلّ بمَعنىً وَاحِدٍ كُلُّ فَاخِرٍ
وَقد جَمَعَ الرّحْم?نُ فيكَ المَعَانِيَا
|
إذا كَسَبَ النّاسُ المَعَاليَ بالنّدَى
فإنّكَ تُعطي في نَداكَ المَعَالِيَا
|
وَغَيرُ كَثِيرٍ أنْ يَزُورَكَ رَاجِلٌ
فَيَرْجعَ مَلْكاً للعِرَاقَينِ وَالِيَا
|
فَقَدْ تَهَبُ الجَيشَ الذي جاءَ غازِياً
لِسائِلِكَ الفَرْدِ الذي جاءَ عَافِيَا
|
وَتَحْتَقِرُ الدّنْيَا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ
يَرَى كلّ ما فيهَا وَحاشاكَ فَانِيَا
|
وَمَا كُنتَ ممّن أدرَكَ المُلْكَ بالمُنى
وَلَكِنْ بأيّامٍ أشَبْنَ النّوَاصِيَا
|
عِداكَ تَرَاهَا في البِلادِ مَساعِياً
وَأنْتَ تَرَاهَا في السّمَاءِ مَرَاقِيَا
|
لَبِسْتَ لهَا كُدْرَ العَجاجِ كأنّمَا
تَرَى غيرَ صافٍ أن ترَى الجوّ صَافِيَا
|
وَقُدتَ إلَيْها كلّ أجرَدَ سَابِحٍ
يؤدّيكَ غَضْبَاناً وَيَثْنِيكَ رَاضِيَا
|
وَمُخْتَرَطٍ مَاضٍ يُطيعُكَ آمِراً
وَيَعصِي إذا استثنَيتَ أوْ صرْتَ ناهِيَا
|
وَأسْمَرَ ذي عِشرِينَ تَرْضَاه وَارِداً
وَيَرْضَاكَ في إيرادِهِ الخيلَ ساقِيَا
|
كَتائِبَ ما انفَكّتْ تجُوسُ عَمائِراً
من الأرْضِ قد جاسَتْ إلَيها فيافِيَا
|
غَزَوْتَ بها دُورَ المُلُوكِ فَباشَرَتْ
سَنَابِكُها هَامَاتِهِمْ وَالمَغانِيَا
|
وَأنْتَ الذي تَغْشَى الأسِنّةَ أوّلاً
وَتَأنَفُ أنْ تَغْشَى الأسِنّةَ ثَانِيَا
|
إذا الهِنْدُ سَوّتْ بَينَ سَيفيْ كَرِيهَةٍ
فسَيفُكَ في كَفٍّ تُزيلُ التّساوِيَا
|
وَمِنْ قَوْلِ سَامٍ لَوْ رَآكَ لِنَسْلِهِ
فِدَى ابنِ أخي نَسلي وَنَفسي وَمالِيَا
|
مَدًى بَلّغَ الأستاذَ أقصَاهُ رَبُّهُ
وَنَفْسٌ لَهُ لم تَرْضَ إلاّ التّنَاهِيَا
|
دَعَتْهُ فَلَبّاهَا إلى المَجْدِ وَالعُلَى
وَقد خالَفَ النّاسُ النّفوسَ الدّوَاعيَا
|
فأصْبَحَ فَوْقَ العالَمِينَ يَرَوْنَهُ
وَإنْ كانَ يُدْنِيهِ التّكَرُّمُ نَائِيَا
|